لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
41207 مشاهدة
إثبات الميزان


وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد؛ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ .
ذكر الله -تعالى- الموازين والميزان في عدة آيات؛ في سورة الأعراف وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ .
وفي سورة الأنبياء وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وفي آخر سورة قد أفلح المؤمنون ، وفي سورة القارعة، وجاء أيضا ذلك كثير من الأحاديث، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم- والحمد لله تملأ الميزان وغيره من الأحاديث وختم البخاري كتابه بباب ما جاء في إثبات الميزان، واستدل بقوله -صلى الله عليه وسلم- كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم فيه إثبات الميزان، ثقيلتان في الميزان ؛ فدل ذلك على إثبات الميزان، واختلف ما هو الموزون؟ الميزان ماذا يوضع فيه؟ على ثلاثة أقوال:-
القول الأول: أن الذي يوزن هو العامل نفسه، أنه يوزن، واستدل بقوله -تعالى- عن الكفار: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا يعني: أنهم يوزنون؛ ولكن يخفون، وجاء في الحديث إنه ليؤتى بالرجل السمين الأكول الشروب لا يزن عند الله جناح بعوضة وفي حديث ابن مسعود لما رقى على شجرة ليقطع منها سواكا؛ عجبوا لدقة ساقيه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إنهما في الميزان أثقل من جبل أحد يعني: أن الإنسان يوضع في الميزان ويثقل أو يخف بحسب عمله.
القول الثاني: أن الذي يوزن هو صحائف الأعمال، التي كتبت فيها الحسنات والسيئات، أنها توزن، ومع ذلك تخف وتثقل بحسب ما فيها من حسنات أو سيئات، ويستدل على ذلك بحديث البطاقة، ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ينشر لرجل تسعة وتسعون سجلا فيها سيئاته، ثم يخرج له بطاقة مكتوب فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ؛ وذلك لأنه ختم له بهذه الخاتمة الحسنة، تلفظ في آخر حياته بهذه الشهادة، وجاء في الحديث من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة وجاء أيضا في حديث ثقل كلمة لا إله إلا الله في قوله -تعالى- في الحديث القدسي: لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع وضعت في كفة، ولا إله إلا الله في كفة؛ مالت بهن لا إله إلا الله يعني: إذا صدرت من قلب صاف، إذا صدرت عن يقين؛ فإنها تثقل بالسيئات كلها، أما إذا كان يقولها ولكن لا يعمل بها؛ فإنها تخف. فإن موازينه تخف.
القول الثالث: أن الذي يوضع هو الأعمال وأنها تجسد؛ الأعمال تجسد ولو كانت أعراضا؛ بمعنى: أن الصلاة مالها جرم؛ ولكن يجعل الله لها جرما، وكذلك الكلمات مالها جرم، ولكن يجعل الله لها جرما؛ سواء كانت كلمات سيئة أو حسنة؛ فإذا قلت –مثلا- سبحان الله، والحمد لله هل لها جرم؟ الله يجعل لها جراما، ولذلك جاء في الحديث والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض فجعلها الله -تعالى- لها جرم، وكذلك أيضا الكلمات السيئة؛ يكون لها أيضا جرم فتوزن، ككلمات العين والقلب والسمع واللعن والسخرية والاستهزاء والكفر واللسان يجعل الله-تعالى- لها أجراما فتوضع في الميزان فتثقل أو تخف؛ فعلى هذا لا مانع من أن الجميع توزن، يعني: أن الصحائف التي فيها الكتاب توزن، وأن الأعمال تجسد وتوزن، وأن العامل نفسه يوزن، يقول تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ِفَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا .